دخل المطعم مستنداً على عصاه ولا يسعفه نظره ...


دخل المطعم مستنداً على عصاه ولا يسعفه نظره أن يرى كل من فى المكان ، سأل عن أحد العاملات لكنها أشارت لمن معها أن ينكروا وجودها ربما لأنه كثير الطلبات أو الانتقادات شأنه شأن كثيرين ممن فى مثل عمره ، تذكرت فى هذه اللحظة معنى قرأته يوماً وأحببته يشير إلى أن ما نصل إليه فى هذه الحياة يعتمد فى جانب منه على مدى تعاطفنا مع الكبار المسنين لأننا ببساطة سنصبح يوماً مثلهم ونحتاج يومها من يتعاطف معنا ويصبر علينا ويتحملنا وأصبح هذا المعنى يلح علىّ كلما رأيت رجلاً وامرأة كبر بهم السن وحلّ بهم الضعف ، كلما رأيت هذا الذى كان قوياً ولم يعد ، هذا الذى كان صحيحاً معافى ولم يعد ، هذا الذى لم يكن بحاجة لمن يعطف عليه وأصبح ، هذا الذى لم يكن بحاجة لمن يستند إليه وصار ، أراهم ومعها أتذكره وأحزن ، أتذكر أبى رحمه الله فى سنواته الأخيرة وقد كان يطلب منا أن نغلق زجاج السيارة ونتضجر، فلم يكن الجو بارداً ، اليوم أدرك أنه لم يكن بارداً علينا لكنه كان بارداً عليه ، اليوم أفهم أنه كان بوسعنا التحمل ولم يكن بوسعه ذلك ، أتذكره وأحزن لأنه مع حبى الشديد له لم أكن أشعر به كما ينبغى ، أتذكره وأتمنى أن يصبح أولادى عند الكبر أكثر إدراكاً لحقائق الأمور منى ، أكثر تعاطفاً معى وصبراً علىَّ منى على أبى ، وأتمنى أكثر أن أصبح من الآن أكثر تعاطفاً مع الضعفاء ، مع المرضى ، مع المسنين ، لعلى أجد إذا أدركنى ما أدركهم من يتعاطف معى ، ولعلى أصبح بذلك من الآن وبحق .. إنسان .
----------------------------------------------------------------------------------
عندما كان الأب على فراش الموت دعا زوجته وابنه لكى يودعهما ، كان يتكلم بصعوبة بالغة ، استغرقت الزوجة فى النحيب طوال فترة الزيارة وانحنى الابن بقرب والده الذى همس فى أذن ولده قائلاً : " أى بُنىَّ ، لا تعش حياة كتلك التى عشتها ، إننى لم أفعل الشئ الصحيح تجاهك وتجاه والدتك ولم أحدث تغييراً حقيقياً ، أى بنى ، عدنى بأنك لن تعيش حياة كالحياة التى عشتها " .. كانت تلك الكلمات الأخيرة التى سمعها الابن من والده .. اعتبر الابن هذه الكلمات أعظم هدية وأثر تركه له والده .. ثم قرر أن يُحدث تغييراً فى كل ناحية من نواحى حياته بحيث لا يستسلم للراحة والسكون ، ولا يستسلم للأفكار البالية ولا يقبل بالحياة العادية ، ويرى أنه استطاع بالفعل تحقيق ذلك وأن الفضل فى ذلك يرجع لوصية أبيه التى استطاع بها أن يمحو كل الأخطاء التى ارتكبها فى حياته .
----------------------------------------------------------------------------------
يقول روبين شارما - كاتب ومدرب - : " فى أيام صباى الأولى قال لى والدى ذات مرة : " قلل مما تدفعه إيجاراً لمسكنك أو مما تنفقه على طعامك ، ولكن إياك أن تقلل من استثمار مالك فى شراء كتاب مفيد " وقد لازمتنى هذه الفكرة المؤثرة طوال حياتى .. كانت فلسفته هى أن الأمر لا يتطلب إلا فكرة واحدة تكتشفها فى أحد الكتب لتأخذك إلى مستوى جديد تماماً ، وتغير نظرتك إلى العالم تغييراً جذريا .. ولهذا السبب كان بيتنا مليئا بالكتب وأنا الآن أحاول أن أخصص ساعة واحدة على الأقل كل يوم أقضيها فى القراءة .. وهذه العادة بمفردها قد غيرت حياتى .. فشكراً لك يا أبى .. ويرى روبين أن أعظم هدية سيتركها لأولاده بعد موته هى مكتبته التى شكلت كتبها طريقة تفكيره وفلسفته الخاصة وجعلته يصبح ما هو عليه الآن ويرى هذه المكتبة ثروة لا تقدر بثمن .
----------------------------------------------------------------------------------
فى أحد المعسكرات الصيفية للأطفال كان أحد المستشارين التربويين واسمه ( جيف ) يوصى مشرفى المعسكر قائلا " فكر دائما فى الطريقة التى كنت ستتصرف بها مع هذا الطفل لو كان أبواه يراقبانك " .. لم يكن غريباً أن تصدر هذه الوصية بل وهذه الحكمة من ( جيف ) لأنه تعلم من والده ( دونى ) ما هو أكبر وأعمق إذ كان والده يوصيه دائما بقوله " امض فى حياتك كما لو كان أكثر شخص تحبه يراقبك " ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن تكون أعمالنا بل وحياتنا إذا مضينا فيها متخيلين أن أكثر شخص نحبه فيها يراقبنا .. ومع هذا التخيل دعونا نقدم وصية أخرى شبيهة وبليغة وعميقة : " إذا هممت بفعل شئ ، حتى لو كان هذا الشئ لن يعرف به غيرك ، فاسأل نفسك كيف كنت ستتصرف لو كان العالم كله ينظر إليك وتصرف على هذا الأساس " .
----------------------------------------------------------------------------------
كان أحد الصالحين يمسك دائماً عصى بيديه فحينما سئل : مالك تدمن إمساك العصا ولست بكبير ولا مريض ؟ أجاب قائلاً : لأذكر أنى مسافر
فلا الضعف أوجب حملها علىَّ ... ولا أنى تحنيت من كبــر
ولكننى ألزمت نفسى حملهـا ... لأعلمها أن المقيم على سفر
وكأنى بهذا الرجل الصالح يريد أن يذكر نفسه ويذكرنا معه بأننا على سفر وأنه علينا أن نستعد لهذا السفر ؟ وهو معنىً جميل وعميق ولا شك .. لكنه ليس فقط الذى أعنيه إنما أعنى أيضاً أن نتذكر أن حياتنا قصيرة مهما طالت .. وإذا كان الأمر كذلك فليس علينا أن نضيعها فيما لا يستحق ليس علينا أن نهدر أوقاتنا القصيرة فيها وطاقاتنا المحدودة فيها فيما لا يستحق ، فأى فائدة مثلا فى تضييع الحياة فى جدالات لا فائدة منها أو ضغائن وأحقاد لا ثمر لها أو توافه لا قيمة لها أو تعذيب للذات وتقليل من شأن الذات يفسد الحياة ويضيع متعها .. " الحياة قصيرة فلا تقصروها أكثر " هكذا قيل وعلى هذا أؤكد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.