اضطرتنى الظروف لأن أستقل تاكسى وبمجرد أن ركبت بدأ السائق يتحدث عن الفساد وأننا جميعاً فاسدون وأن أى خطأ يحدث فى بلادنا ليس مسئولية الحكام فأنا مسئول وأنت مسئول لأن الفساد يبدأ منا .. سمعت كلامه والخاطر الذى يشغلنا فى معظم هذه الأحيان أنها بعض الكلمات الكبيرة التى سمعها السائق من أحد الركاب ثم هو من بعد يعيدها على مسامع غيره من الركاب وربما ركب معه يوماً من قال له هذه الكلمات ليسمعها هو من السائق وكأنها كلماته .. لكنه أثبت لى أننى كنت على خطأ وأن خاطرى لم يكن سليماً وأكد لى أنه يعى كل كلمة يقولها بل ويطبقها وذلك عندما طالبنى بأجرة مرتفعة وأشار إلى أن العداد هو ما يقول ذلك .. رغم أنه لم يضبط العداد أساساً حين ركبت معه .. صحيح فاسد .. العداد طبعاً !
----------------------------------------------------------------------------------
كان هناك أم اسمها " دونا " وقد كان تركيزها مع ولديها دائماً على فكرتين ، كانت ترددهما على مسامعهما باستمرار وتؤكد عليهما فى جميع الأعمال التى يقومون بها ، هاتان الفكرتان هما " لا تكن متواضعاً " ولم تكن تقصد هنا منعه من التواضع الأخلاقى لكنها تقصد التواضع فى الأهداف والطموحات ، التواضع فى الأحلام والأمنيات ، التواضع فى المكانة التى يقبلها لنفسه تماماً كما قصد شاعرٌ عربىٌ موفق حين قال : ونحن أناسٌ لا توسط بيننا ... لنا الصدر دون العالمين أو القبر .
أما الفكرة الثانية فكانت " كن متحمساً " وهى نفس الفكرة التى ركز عليها فرانك سيناترا الأب حينما وجد سيناترا الابن يغنى بغير حماس فقال له بنبرة شديدة " لا تجعلنى أضبطك مرة أخرى تغنى هكذا بغير حماس .. واعلم أنك بغير الحماس لا شئ " .. كانت هاتان إذن فكرتان جعلتهما " دونا " جزءاً لا يتجزأ من حياة أولادها : " لا تكن متواضعاً " و " كن متحمساً " .
----------------------------------------------------------------------------------
كان هناك طفل اسمه نيل أوستين وُلِد بتشوه كبير فى اليدين فلم يغضب والده لهذا النقص أو يحتج وبالتالى لم يعلم ولده الغضب أو الاحتجاج .. إنما قدم لولده ولنا درساً غاية فى الروعة والتأثير حين قال له : " يا بنى لن تكون قادراً على كسب رزقك بيديك ، ولهذا من الأفضل أن تطور دماغك " .. فهمها نيل وطبقها فلم يأس على حاله ولم يتوقف للبكاء على ما افتقده ، فقد فهم أن الكنز الحقيقى يكمن فى قلبه وعقله لا فى يده ، فى روحه ونفسه لا فى جوارحه ، فطور دماغه بالقراءة والفكر والتأمل والاحتكاك بالناجحين ، حتى أصبح واحداً من أشهر المؤلفين والمحاضرين .
----------------------------------------------------------------------------------
كان من طبعه المسالمة وهكذا نشأ ابنه الصغير ، كانت تزعجه مسالمة ابنه وعدم جرأته فى الحصول على حقوقه ، فى يوم نهاية أسبوع لا ينساه ذهبا معاً لشراء شيكولاته ، طلب البائع سعراً يفوق السعر الحقيقى لها ، اعترض الأب وذهب إلى بائع مجاور وتأكد من السعر الحقيقى ثم عاد إلى البائع الأصلى واسترد باقى حقه ، فى بداية الأسبوع التالى ذهب لإحضار ابنه من المدرسة واستوقفه الابن لشراء آيس كريم .. من بعيد لاحظ الأب ابنه - على غير عادته - وهو يناقش البائع فى سعر الآيس كريم ويسترد حقه ، قفزت إلى ذهنه قطعة الشيكولاته وتذوقها من جديد فلم يجدها بطعم البندق أو الكراميل إنما وجدها بطعم الحياة .
ماتعليقك على القصة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.